سورة النجم - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18)} [النجم: 53/ 1- 18].
أقسم اللّه تعالى بالنجم إذا مال للغروب، تشريفا له، حتى يؤول ذلك إلى معرفة اللّه تبارك وتعالى. مثل قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75)} [الواقعة: 56/ 75].
والمقسم عليه وهو الوحي حق ثابت. فما عدل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن طريق الحق إلى الباطل، وما جهل بما أوحي إليه. والضلال: هو الذي يكون بغير قصد من الإنسان. والغي: ما تتكسبه وتريده.
وما يقول هذا النبي قولا عن هوى وغرض، إن كل ما ينطق به هو وحي أوحاه اللّه إليه، ويبلّغ جميع وحي اللّه من غير زيادة ولا نقصان. والمراد بالوحي: القرآن.
والوحي: إلقاء المعنى في خفاء.
ومعلّم القرآن الناقل عن رب العزة: هو جبريل عليه السّلام، الشديد بقواه العلمية والعملية، وهو ذو قوة وشدة، وذو حصافة في العقل، ومتانة في الرأي، وقد اعتدل على صورته الحقيقية التي خلقه اللّه عليها، حين كان في الأفق الأعلى، أي في الجهة العليا من السماء، وهو أفق الشمس، فسدّ الأفق حين جاء بالوحي إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أول مجيئه.
ثم قرب جبريل من الأرض إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم عند حراء، وتعلق بالهواء، وازداد في القرب من محمد والنزول، فكان فيما بينهما مقدار ما بين قوسين من المسافة أو أقل من ذلك، فأوحى جبريل إلى عبد اللّه، ما أوحى من القرآن في تلك النزلة، من شؤون الدين والتشريع، وهذا كان في أثناء رؤية حقيقة جبريل، والرسول في الأرض في حراء. ورآه مرة أخرى على حقيقته، والرسول في السماء، ليلة الإسراء، وحينما رآه سدّ الأفق، له ست مائة جناح.
ولم تكن رؤية جبريل خيالا، وإنما حقيقة معاينة، فما أنكر فؤاد النبي ما رآه من صورة جبريل، وإنما كان في كامل وعيه، وكان فؤاده صادقا، فتكون عينه أصدق، فكيف تجادلونه وتكذبونه معشر قريش فيما رآه بعينه رؤية مشاهدة محسوسة؟ وقوله: {أَفَتُمارُونَهُ} خطاب لقريش معناه: أتكذبون فتجادلونه على ما يراه معاينة؟ ولم يرو قط أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربه عز وجل قبل ليلة الإسراء. ولكن لا مانع من رؤية القلب.
أخرج مسلم والترمذي وأحمد: أن أبا ذر سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: هل رأيت ربّك؟ فقال: «نور أنى أراه».
ولقد رأى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل نازلا مرة أخرى على صورته التي خلقه اللّه عليها، وذلك في ليلة الإسراء، عند سدرة المنتهى التي هي في المشهور: شجرة في السماء السابعة، وعندها الجنة التي تأوي إليها أرواح المؤمنين.
ونحن نؤمن بسدرة المنتهى، على النحو الوارد في ظاهر القرآن الكريم، دون تعيين مكانها وأوصافها.
وتلك السدرة يحيط بها من الخلائق الدالة على عظمة اللّه وجلاله ما يحيط، مما لا يحصره وصف ولا عدد. وهذا يشعر بالتعظيم والتكثير.
ما مال بصر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عما رآه، وما تجاوز ما رأى، فرؤية جبريل وغيره من مظاهر ملكوت اللّه رؤية عين، وليست من خدع البصر، وهذا يؤكد أن معراج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السماء كان بالروح والجسد.
لقد رأى في ليلة المعراج من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، وهو رؤية جبريل على صورته، وسائر عجائب الملكوت و(الكبرى): وصف ل (آيات). وهذا كما جاء في آية أخرى: {لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا} [الإسراء: 17/ 1] ولكن دون تحديد المرئي، للإشارة إلى تعظيمه وأهميته.
قال الألوسي نقلا عن الكشاف: إن هذه الآيات سيقت لتحقيق أمر الوحي، ونفي الشبهة والشك فيه، ليتأكد الكل أن هذا الوحي ليس من الشعر ولا من الكهانة، فليس للشيطان ولا للجن أي قدرة على تصورهم وإدراكهم صورة جبريل الحقيقية أو غيرها، لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عرفه بقلبه وبصره، ورآه في حالاته المتعددة، ومن ثم لم يكن من المعقول أن يشتبه عليه.
أصنام الجاهلية العديمة الفائدة:
حرص القرآن الكريم على أصول ثلاثة في العقيدة: وهي التوحيد، والرسالة أو النبوة، والإيمان باليوم الآخرة، وتقرير التوحيد يتطلب هدم الإشراك بالله، وبيان انعدام فائدة الأصنام، وهذا ما ذكرته الآيات الآتية، بأسلوب استنكاري مع التهكم والتوبيخ، إذ كيف يليق بكرامة الإنسان وحرمة العقل الإنساني، أن يعبد الإنسان حجرا أو معدنا أو شخصا يجعله إلها آخر مع اللّه؟ وهي لا تستطيع منع الضرر عن أنفسها، قال اللّه تعالى:


{أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} [النجم: 53/ 19- 31].
أوضح القرآن عظمة اللّه وقدرته، ثم أتبع ذلك الكلام عن الأصنام، فقال:
أرأيتم هذه الأوثان وحقارتها، وبعدها عن القدرة والصفات العلية؟ أنظرتم إلى اللات: صنم ثقيف والطائف، والعزى: شجرة بين مكة والطائف تعظمها قريش، ومناة: صخرة هذيل وخزاعة، وغيرها من الأصنام، إنها حجارة صماء، أو أشجار مستنبتة، فكيف تشركونها بالله، وهي مصنوعة لكم، أو مخلوقة غير خالقة، فمن يستحق العبادة أهي أم اللّه الخالق القادر؟! أتجعلون لله ولدا، ثم تجعلونه أنثى، وتختارون الذكور لأنفسكم؟ تلك قسمة جائرة عن الحق، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة الجائرة بين المخلوقين؟! إن تسمية هذه الأصنام آلهة، مع أنها لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل ولا تفهم، ولا تضر ولا تنفع، إنها مجرد أسماء سميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم، لا مسميات حقيقية، اتخذتموها آلهة أنتم وآباؤكم، لم ينزل اللّه بها من حجة ولا برهان تعتمدون به على أنها آلهة.
ما يتّبعون في تسمية الأصنام آلهة إلا مجرد وهم أو ظن لا يغني من الحق شيئا، ولا يتّبعون إلا ما تهواه نفوسهم وميولهم، من غير نظر إلى الحق الواجب اتباعه، ولقد جاءهم من اللّه القرآن الكريم الذي فيه الهداية والإرشاد.
والقضية ليست تمنيات، بل إن الإنسان يقرر ما يتمنى ويتصور، وليس كل من تمنى خيرا حصل له، وليس لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم وتشفع لهم، فالسلطان ليس لغير اللّه، وليس للأصنام مع اللّه أمر ولا شأن في الدنيا ولا في الآخرة، كما جاء في آية أخرى: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ} [النساء: 4/ 123].
وطريق الشفاعة هو: كثير من الملائكة الكرام في السماء، مع كثرة عبادتها وكرامتها على اللّه، لا تشفع لأحد إلا لمن أذن ورضي اللّه أن يشفع له، فكيف بهذه الجمادات؟.
ثم أنكر اللّه تعالى على المشركين جعلهم الملائكة بنات اللّه ووصفهم بالأنوثة، فالذين لا يصدقون بوجود الآخرة والحساب والعقاب يزعمون أن الملائكة إناث، وأنهم بنات اللّه، تعالى اللّه عما يقولون علوا كبيرا.
وليس لهؤلاء المشركين علم صحيح بصدق ما قالوه، ولا معرفة ولا برهان، فإنهم لم يعرفوهم ولا شاهدوهم، وما يتبعون في زعمهم إلا التوهم أو الظن الذي لا أساس له من الصحة، ومثل هذا الظن لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبدا مقام الحق، فأعرض أيها الرسول عمن أعرض عن القرآن أو تذكير اللّه، ولم يكن همّه إلا الدنيا، وترك النظر إلى الآخرة، فاترك مجادلتهم والاهتمام بشأنهم فقد بلّغت ما أمرت به، وليس عليك إلا البلاغ. وقوله: {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا} يدل على إنكارهم البعث والحشر.
إن أمر الدنيا وطلبها هو منتهى ما وصلوا إليه من العلم، فلا يلتفتون إلى ما سواه من أمر الدين، إن ربك هو عالم بمن انحرف عن سبيله، سبيل الحق والهدى، وعالم بمن اهتدى إلى الدين الحق، فأعرض عنهم، لأن اللّه هو الخالق لكل شيء، وسيجازي كل فريق أو أحد على عمله.
ولله تعالى ملك جميع ما في السماوات وما في الأرض، وهو الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، وقد خلق الخلق بالحق، وجعل عاقبة أمر الخلق أن يجزي كلا من المحسن والمسيء بعمله، يجزي المسيء بإساءته التي عملها، ويجزي المحسن بإحسانه، فتكون لام (ليجزي) لام العاقبة أو الصيرورة.
قال ابن الجوزي في تفسيره: والآية: {وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ} إخبار عن قدرته وسعة ملكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى أي: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} وبين قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا} لأنه إذا كان أعلم بالمسيء وبالمحسن، جازى كلا بما يستحقه، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك.
صفات المحسنين وتوبيخ بعض المشركين:
يدعي بعض الناس أنهم أتقياء بررة، محسنون خيّرون، ولكنهم في الواقع بعيدون عن الإحسان بالمعيار الشرعي الصحيح، فإن المحسنين هم الذين أحسنوا أعمالهم واجتنبوا الكبائر والفواحش، فلا يدعي إنسان ما ليس فيه أو يزكي نفسه بما ليس فيها. وفي مقابل هؤلاء المقصرين كان بعض المشركين كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، وأبي جهل بن هشام في غاية الجفاء. والبعد عن معايير الشرع والخلق القويم، وهذا ما حكته الآيات الآتية:


{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41)} [النجم: 53/ 32- 41].
أخرج الواحدي والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير: هو صدّيق، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «كذبت اليهود، ما من نسمة يخلقه اللّه في بطن أمه إلا ويعلم أنه شقي أو سعيد» فأنزل اللّه عند ذلك هذه الآية: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}.
المحسنون: وهم الذين تقدم ذكرهم: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} فكلمة {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} نعت لكلمة (الذين) المتقدم قبله: هم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب كالشرك والقتل وأكل مال اليتيم، وعن الفواحش كجرائم الحدود من زنا وقذف وسرقة وحرابة وشرب مسكر. والكبائر: كل ذنب توعد اللّه عليه بالنار وهي السبع الموبقات الآتي بيانها، والفواحش: ما تناهي أو تزايد قبحه عقلا وشرعا من الكبائر، ولكن لا يقع منهم إلا اللمم: أي صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال كالنظر إلى المحرّمات والقبلة، فإن اقترفوا اللمم تابوا.
ورد في الصحيحين عن علي رضي اللّه عنه: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات: الإشراك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرّم اللّه إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والنولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
ثم رغب اللّه بالتوبة بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ} أي إن اللّه تعالى كثير الغفران للذنوب إذا تاب العبد منها.
واللّه تعالى بصير بكم حين ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم من التراب، وحين أوجدكم أجنة: أولادا في بطون أمهاتكم، فلا تمدحوا أنفسكم، ولا تبرّئوها عن الآثام، ولا تدّعوا الطهارة عن المعاصي، فالله هو العليم بمن اتقى الشرك والمعاصي. وظاهر الآية: النهي عن أن يزكي أحد نفسه.
ثم ذكر اللّه تعالى على سبيل التعجب والتقريع خبر بعض المشركين، الذي تميز بسوء فعله، حيث أعرض عن الإيمان، وأحجم عن العطاء، وجهل ما غاب عنه من العذاب.
ومعنى الآية: أخبرني وأعلمني بهذا الذي تولى عن الخير، وأعرض عن اتباع الحق، أعطى قليلا من المال ثم لم يتمه، ليتحمل عنه غيره وزره، هل عنده علم ما غاب عنه من أمر العذاب؟ أو أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر، فإن المتحمّل عنه ينتفع بذلك؟
أخرج الواحدي وابن جرير عن مجاهد وابن زيد قال: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على دينه، فعيّره بعض المشركين، وقال: لم تركت دين الأشياخ وضللتهم، وزعمت أنهم في النار؟ قال: إني خشيت عذاب اللّه، فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله، ورجع إلى شركه، أن يتحمل عنه عذاب اللّه سبحانه وتعالى، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له، ثم بخل ومنعه، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال السدي: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقال محمد بن كعب القرظي:
نزلت في أبي جهل بن هشام.
ثم ذكّر اللّه تعالى هذا المعرض عن الإسلام بأن المسؤولية شخصية، فقال: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} أي بل أإنه لم يخبر بما في أسفار التوراة، وصحف إبراهيم الذي أكمل ما أمر به، وأدى الرسالة على الوجه الأكمل: أنه لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، فكل نفس ارتكبت جرما من كفر أو ذنب، فعليها وحدها وزرها، لا يحمله عنها أحد. وهو مبدأ المسؤولية الشخصية التي هي من مفاخر الإسلام.
وأنه ليس للإنسان إلا أجر سعيه وجزاء عمله، فلا يستحق أجرا عن عمل لم يعمله، وهو مبدأ كون الجزاء مرتبطا بالعمل، وهذا متمم للمبدأ السابق، فكما لا يتحمل أحد مسئولية غيره، كذلك ليس له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه، والمراد بيان ثواب الأعمال الصالحة وكل عمل، فالخير مثاب عليه، والشر معاقب عليه.
وأن سعي الإنسان أو عمله محفوظ، يجده في ميزانه لا يضيع منه شيء ويدخره اللّه له بصفته وسيلة إثبات وإشادة، ولوم للمقصرين، وقوله {فَهُوَ يَرى} أن يراه اللّه تعالى ومن شاهد الأمر. وفي عرض الأعمال على الجميع تشريف للمحسنين، وتوبيخ للمسيئين. ثم يجزي اللّه هذا الإنسان جزاء كاملا غير منقوص، فيجازي بالسيئة مثلها، وبالحسنة عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، واللّه يضاعف لمن يشاء. وهذا وعيد للكافرين، ووعد للمؤمنين.
من مظاهر القدرة الإلهية:
تعددت مظاهر القدرة الإلهية في الكون والإنسان والحياة، وتلك المظاهر تصدر عن حكمة إلهية بالغة، وسلطان عظيم شامل، وعدل كامل، ورحمة شاملة، فلا يكون عقاب إلا بعد إمهال، ولا عذاب إلا بعد إنذار، ولم يبق إلا اعتدال الإنسان ووعيه في مراعاة مصلحته واستحضاره عظمة ربه، والاتعاظ بالأمثال والعبر التي جعلت في تدمير الأمم أو الأقوام الغابرة، وذلك قبل أن يموت الإنسان ويفاجأ بقيام القيامة، وهذا ما أخبر عنه القرآن الكريم في الآيات الآتية:

1 | 2